بول كولير عن الفساد: العمليات التنظيمية والقيم الأخلاقية

تم ترجمة هذا النص بمعرفة رماج ندا

إن الثورات التي تقودها الشعوب التي أسفرت عن الربيع العربي تعد لحظة فاصلة في التاريخ الحديث للمنطقة العربية. إن الأنظمة السابقة في مصر وتونس ارتبطت بشكل وثيق بانتشار الفساد وبعدم عدالة توزيع الدخل. فالفساد المنظم في هذا النطاق يميل إلى نقل هذه المعايير والقيم في المجتمع، من أعلى إلى أسفل. ويعد المؤتمر السنوي لمنتدى البحوث الاقتصادية الثامن عشر عن الفساد والتنمية الاقتصادية، والذي ينعقد حالياً في القاهرة، مناسب بشكل خاص في هذا الإطار.

 ويعتبر تحديد ماهية الفساد وكيفية قياسه من العوامل الحاسمة في تسليط الضوء على كيفية محاربته. صرح بول كولير (جامعة أكسفورد) في الجلسة الافتتاحية، أن تكلفة الفساد أكبر بكثير مما نعتقد بشكل عام، إلا انه يرى انه من الصعب قياس الفساد، ولذلك "ما يتم قياسه يجب أن ينبع من تشخيص ما يمكن القيام به حيال ذلك". بالنسبة لكولير، يترتب على ذلك ضرورة التركيز على الدولة لارساء القواعد والعمليات التنظيمية والتركيز على تغيير قيم الناس ومنظماتهم.

تسليط الضوء على هياكل الحوافز

بالنسبة للقطاع العام، تحدث كولير عن 'التكاليف' المتعلقة باثنين من قضايا الفساد، والعوامل التي تدعم مثل هذه الممارسات. الأولى تخص من بلد في غرب افريقيا -لم يفصح عن اسمها- حيث أعطى وزير التعدين حقوق التنقيب لإحدى الشركات. وجلبت هذه الصفقة مكاسب مالية لهذا الوزير، ولكنها ليست للحكومة. وهذه الصفقة، والتي تبلغ قيمتها حوالي 10 مليار دولار، تمثل أكثر من ثلاثة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي السنوي لهذا البلد.

في هذا المثال، كانت الإغراءات بالنسبة لهذا الوزير هائلة، في حين أن الشركة كان بامكانها أن تدفع رشاوى بأرقام فلكية، وستظل بإمكانها تحقيق مكاسب كبيرة. يقول كولير "أنه ما لم يكون هؤلاء الناس من القديسين، فإنهم سيستسلموا لهذا النوع من الإغراء" وخصوصا في النظام الذي لا يشمل عقوبات المقابلة لهذا النوع من السلوك.

أما القضية الثانية تتعلق بشركة بريطانية لبناء الجسور، حيث تمت إدانة هذه الشركة من قبل مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة بتهمة دفع رشوة لمسؤول جامايكي للتعاقد على بناء جسور. استمرت هذه الرشاوى لمدة خمس إلى سبع سنوات، وأعطت المتهم، يوسف هيبرت، الوسائل المالية اللازمة لدخول معترك السياسة، الذي أصبح في نهاية المطاف وزير النقل. إن تكلفة الفساد هنا تعتبر غير مباشرةحيث أن وجود هذا الوزير الفاسد منع  من لديه نزاهة ورغبة حقيقية لخدمة الجمهور بشكل جيد من الوصول لهذا المنصب.

ويمكن لذلك أن يخلق ما يعرف  "بتأثير الاختيار" الذي يؤدي إلى سيطرة "الأقوياء" على النظام السياسي، بدلاً من الذين لديهم القدرة والرغبة  على خدمة الجمهور، وترك الخيار الصعب للجمهور بين "هذا المحتال أو ذاك ".

القضاء على هذه المغريات من خلال العمليات التنظيمية

إن التعامل مع الفساد بهذا الحجم ليس بالأمر السهل، وسياسة "مكافحة النار بالنار" لم تحقق النجاح دائما عند التعامل مع هذه المسألة. واقترح كولير أن العمليات التنظيمية تعد وسيلة حاسمة لإزالة بعض الحوافز التي تدعم الفساد، ولا سيما ذو النطاق الواسع. إن المناقصات العلنية والعطاءات التنافسية هي إحدى الطرق التي يمكن للقطاع العام لتحقيق ذلك، ولكن يجب أن تكون مدعمة من خلال أنظمة مراقبة سليمة. فبدون هذه العملية المستمرة للمراقبة، سيظل المال العام الأكثر تضررا من جراء الممارسات الفاسدة.

فأنغولا، على سبيل المثال، لديها عملية مناقصة تنافسية لبناء الطرق، وذلك كوسيلة للحفاظ على انخفاض التكاليف. في كثير من الأحيان، ولكن هذه الطرق ستكون عديمة الفائدة بعد بضع سنوات إذ أنها لم يتم إرسائها على أسس مستقرة. ويمكن لعملية المراقبة المستمرة لأعمال التشييد أن تقضي على هذا النوع من الممارسات، ولكن مثل هذه المراقبة تعتمد بشكل كبير على الموارد.

الفساد الأصغر  والحوافز المتعلقة بالقيم

يقدم الفساد الأصغر مثالا آخر على ذلك، ويمكن على المدى الطويل أن يكون مدمرا للتنمية الوطنية. ربط كولير هذا النوع من الفساد بالقيم التي توجد داخل المنظمات، مثل المدارس والمستشفيات. ويمكن لتبديل هذه القيم إحداث تغييرات التي يحتمل أن تكون "فلكية" من حيث النطاق.

وأعطى كولير مثالا على دراسة عن التعليم في نيجيريا، حيث أوضحت أن هناك نسبة عالية من الأطفال (الذين يتراوح أعمارهم 10 سنوات) لا يجيدون القراءة. يرجع ذلك إلى أن العديد من المعلمين لا يستطيعون القراءة أيضاً، بذلك فهم غير مؤهلين لتعليم القراءة والكتابة على الإطلاق. ومن المثير للاهتمام أن هؤلاء المعلمين لديهم شهادات للتدريس، مما يشير إلى أن بعض المعلمين قد حصلوا على شهاداتهم من خلال وسائل غير أخلاقية.

Initiatives & Partnerships

Data Portal

http://www.erfdataportal.com/index.php/catalog

The Forum

ERF Policy Brief